= = = = =
لقد كانت خطة الفريق الشاذلى كانت واضحة من أول يوم جه فيه كرئيس أركان وهو لم يعد أحداً أبدأَ بتطوير العمليات يكثافة شرق الخط 15-18 كيلومتر داخل سيناء شرق الفناة لتخفيف الضغط عن الجبهة السورية - لأنه فى الحرب مافيش حاجة إسمها (لتخفيف الضغط عن حد تانى بيحارب على جبهة تانية - كل واحد كبير بما فيه الكفاية وعليه أن يتصرف على قدر إمكانياته وصموده وذكائه وفعالية مقاتليه على جبهته هو) - وسبب عدم وضع مسألة احتمال تطوير العمليات شرقاً - أكثر من 15-18 كيلومتر - فى التخطيط فى خطة المآذن العالية للفريق الشاذلى قبل بدء حرب أكتوبر 73 - هو الرغبة فى الإستفادة من حائط الصواريخ الثابت غرب القناة ولعدم وجود طيران مصر بأعداد وتقنيات تكفى لتغطية مستمرة للقوات المصرية إذا اندفعت فى عمق أكثر من ذلك شرقاً فى سيناء ولعدم وجود بطاريات صواريخ م ط متحركة تواحه الطيران الإسرائيلى الذى سوف يقصف القوات المصرية المندفعة شرقاُ أكثر من هذا العمق المخطط لإندفاعها قبل الحرب - وإنما فقط وجود حائط الصواريخ الشهير الثابت غرب القنال - وعلى هذا الأساس فأن مصر قد شنت الحرب فى 6 أكتوبر 73 - ولكن بعد أيام ابتدت الجبهة السورية تتهز جامد وخسروا فى الجولان 4 الآف دبابة بلا أى مبرر فجاء المشير أحمد إسماعيل - بأوامر من السادات - إلى الشلذلى لتطوير العمليات العسكرية المصرية شرقاً داخل سيناء - وأعترض الفريق الشاذلى ولم يوافق أبداً على ضغوط المشير إسماعيل لعدة أبام ثم أضطر أخيراً للقبول بالتطوير فوقعت خسائر مصرية أعلى مما حدث فى كل أيام الحرب قبل غلطة التطوير وهنا ابتدت الثغرة بين الجيشين الثانى والثالث عند البحيرات المرة - وعندئذ طالبوا الشاذلى بحل مشكلة الثغرة إللى السادات وإسماعيل هما أصلاً إللى اتسببوا في حدوثها بالأمر بالتطوير شرقاً فكان الحل فى رأى الشاذلى تحت ظروف تلك الحالة المستجدة هو المناورة بالقوات عن طريق تحريك يعض القوات التى عبرت القناة فأعتبر السادات ذلك حديثاً عن انسحاب جزئى فثارت ثورته العارمة واصطدم بالشاذلى بالعنف الشخصى المعهود عن السادات ورفض الحديث عن تحريك قوات من الشرق للغرب رفضاً قاطعاً وربما كان عند حق سياسياً فى هذا الرفض وكان الشاذلى فى هذا النقطة بالذات على خطأ فى مسألة المناورة بالقوات لما لفكرة سحب قوات من الشرق إلى الغرب من علاقة نفسية غير مأمونة العواقب وسط الجنود المصريين لما لها من ارتباط بديهى بـما حدث فى 67 - ولكن تدخل السادات بالتطوير شرقاً بغرض الوفاء بوعده للرئيس الأسد بالتخفيف عن سوريا كان هو السبب فى كل هذا - ثم أن السادات والمشير أحمد إسماعيل كانا قد وعدا السوريين بالتطوير قبل الحرب بشكل سياسى رغم إعتراض كامل من الشاذلى قبل الحرب - وكان طبعاً كفاية المهزلة بتاعة 67 التى كانت أصلاً إندفاع بالجيش المصرى إلى سيناء للتخفيف عن سوريا فى الحكاية الوهمية عن حشود إسرائيلية زعمها السوفييت فى مايو 67 وأقنعوا بها عبد الناصر وقتها فأندفع فى كل ما نعلم وفى ما لا نعلم فى مايو/يونيو 67 - أما بعد بدء حدوث الثغرة فى ليلة 16/15 أكتوبر 73 فلم يكن من المستحيل أبداً تصفيتها بالكامل فى بدايتها وحتى عند توغلها مع تصور حدوث خسائر بشرية بأعداد قتلى إسرائيلين ومصريين ضخمة - فقد ظلت تصفية الثغرة مسألة ممكنة وكان ممكناً للقوات المصرية تنفيذها ولكن فى الأيام الأخيرة للحرب كان السادات قد مال أكثر فأكثر لفكرة الحرب المحدودة ولم يندفع فى طريق تصفية الثغرة كما كان يجب وكما كان يطلب العسكريون المصريون فى الميدان وبدأت أحلامه السياسية فى مغازلة الأمريكان تتضح أكثر منذ محادثات الكيلو 101 فى يناير 74 حتى خروج الإسرائيلين من الثغرة وفك الإشتباك نهائياً فى مارس 74 - ثم أفصحت عنها الأيام أكثر فأكثر حين فاجأ الجميع بزيارته المنحوسة للقدس وحتى توقيعه على كامب ديفيد - وهنا السؤال لماذا أقدم رئيس الدولة المصرية - السادات - على أن يخبر العدو الصهيونى العتيد هنرى كيسنجر يوم الحرب أنها حرب محدود كمغازلة ساداتية واضحة للأمريكان ؟ - ثم لماذا استمر فى مواصلة هذا الطريق حتى التوضيب معهم للسلام الوهمى اللاحق فى زيارة القدس ثم فى كامب ديفيد لإخراج مصر بالكامل من الصراع فى المنطقة وهو ما كانت إسرائيل وأمريكا لاتتصوران حدوثه يوماً ما فأنجزه لهم السادات ببراعة وخفة يد فخسرت مصر بالسلام ما كسبه جيش مصر بالنصر وبدم الشهداء فى حرب أكتوبر - ولذلك نفهم أن عدم تصفية الثغرة كان لرغبة السادات فى إنه مايزعلش الأمريكان بوقوع خسائر إسرائيلية باهظة إذا قام جيش مصر بتصفية الثغرة و1لك لأن السادات كان يريد أن يوضح للأمريكين إنه يحارب حرب عاقلة محدودة ثم عليهم هم أن يستكملوا الباقى بالسلام - وهو أمر قد أذهل القادة الأمريكيين والإسرائيليين معاً من هذا التصرف الغريب للقائد الأعلى المصرى - ويوماً ما سوف نكتشف أسراراً أكثر - فما زال الموضوع مهما قيل فيه مبهماً وعسيراً على الإدراك
= = = = =
مصر شنت عمليات حرب أكتوبر يإمكانيات عسكرية أقل جداً مما ينيغى ولم يكن فى المستطاع الإنتظار حتى يتحقق لها تفوقاً فى الطيران وفى غيره على إسرائيل قبل بدء العمليات وكان السبب فى هذا هو اختلاف طبيعة وكم ونوعية الإمداد العسكرى السوفيتى المحدود لمصر عن طوفان الإمداد العسكرى الأمريكى غير المحدود لإسرائيل - وبسبب الضمان الأمريكى المستديم لإسرائيل بعدم تدمير التام للقوات الإسرائيلية خلال أى حرب يشنها العرب - هذا على حين أن مصر قد بدأت حرب أكتوبر 73 بعد طرد السادات الخبراء السوفييت بشهور طويلة - وربما كان هذا أهم ما فعله السادات سياسياً حتى لا يشعر السوفييت بجدية المصريين قى خوض القتال فظلوا إلى ظهر يوم 6 أكتوبر 73 لا يصدقون أن مصر سوف تشن حرباً - مثلهم فى ذلك مثل الأمريكان والإسرائيليين وكل دول أوروبا الغربية ومثل الشعب المصرى ذاته ومثل كل الدنيا - - - لكن طبعاً هذا فى المقابل كان إساءه بالغة للإتحاد السوفيتى ورغم ذلك اتخذ الإتحاد السوفيتى إجراءات بعد بداية الثغرة تؤكد للأمريكان أنه لن يسمح للقوات الإسرائيلية بتحقيق أى شىء مهم فى الثغرة وهدد الأمريكان بالمقابل بحتمية عدم تصفية الثغرة بالقتال وبدأت حسابات التوازن السياسى تعلو على الحسابات العسكرية فى الميدان - أما النظريات من نوع (لو كنا قد فعلنا كذا... لكان قد حدث كيت...) فهى نظريات تفترض أصلاً تفوقاً مصرياً فى العتاد وفى الإمداد العسكرى وتفترض تعويضاً فورياً للمعدات داخل المعركة - وهو شىء لم يكن متاحاً لمصر تحت أى ظرف من ظروف قتال أكتوبر 73 على الإطلاق - ولو كان متوفراً لكانت مصر قد بدأت عمليات أكتوبر 73 على خط القنال وكانت فى ذات الوقت قد ضريت بعنف بالصواريخ وبالطيران والبحرية فى العمق الإسرائيلى ضرباً مكثفاً للغاية وكانت قد قامت بعمليات إبرار جوى لجنود مصريين ولمعدات ميكانيكية مصرية ثقيلة فى العمق الإسرائيلى أو على الأقل فى خط المضايق فى سيناء وكانت المسائل حتماً سوف تأخذ - فى ظل هذا الافتراض الذى لم يحدث أصلاً - أبعاداً مختلفة تماماً عن أبعاد ما حدث فعلياً فى أكتوبر 73 بشكل كامل - لكن كل هذا السناريو النظرى كان يستلزم توافر ما لم يكن متاحاً واقعياً أمام الجيوش المصرية - - - فمصر حاربت فى أكتوبر 73 فى حدود إمكانياتها المتاحة وقت المعركة - - - ولم تحارب فى أكتوبر 73 لتحرير فلسطين مثلاً - - - نظراً للمعلوم بالضرورة عن طبيعة الصراع ضد طرف تحميه قوة عظمى فى حين أنك لا تحميك أى قوة عظمى مهما قيل عن العون العسكرى السوفيتى الضخم لمصر - فضلاً عن أن صراع الشرق الأوسط مهما كان فلم يكن يـُعتبر فى حينه صراعاً مباشراً بين العقيدتين السوفيتية والأمريكية كما كان الحال فى فيتنام قبلها - - - وإنما كان وسيظل صراعاً محلياً يـُنتظر من الأطراف المحلية تحديد نتائجه المرحلية من حين لأخر دون التدخل المباشر فى القتال من جانب القوتين الأعظم فى حينه - - - وإنما التدخل بالضغوط والتهديد والتلويح بالتدخل المباشر - مع مراعاة حساسية أمريكية كانت سائدة فى أكتوبر 73 من رفض الأمريكيين لهزيمة كبرى ساحقة للعتاد الحربى الأمريكى الذى فى يد الإسرائيلين بالعتاد السوفيتى الذى كان فى يد المصريين والسوريين بسبب النهايات المريرة التى منيت بها أمريكا فى فيتنام - وهو نفس ما يحدث الآن بعد نحو 40 سنة من سبعينات القرن الماضى - - - مع تغير المشهد بعد غزو العراق وبعد التواجد العسكرى الكثيف للأمريكان فى الخليج والتهديد بغزو إيران وكل الفوضى التى تشهدها المنطقة - - - ومصر فى نهاية المطاف هى المستهدفة عسكرياً فالإسرائيليون والأمريكان لن يهدأ لهم بال إلا بتحطيم مصر عسكرياً بشكل كامل يضمن لهم حرية الحركة لقرن آخر من الزمان فى المنطقة - - - كما ظنوا بعد 67 - - - لكن الله فعال لما يريد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون - - - وما لا يضعه هؤلاء وأولئك فى الحسبان هو ما يحدث داخل أمريكا ذاتها من تغيرات منذ بداية القرن الحادى والعشرين - - - وقد تحدث به طفرة ما داخل أمريكا ذاتها دون حرب عالمية جديدة - ولا أحد يريد أن يتعلم من إنهيار البنيان السوفيتى خلال سنة واحدة عام 1991 - - - فما حدث من تصدع ذاتى للبنيان السوفيت العظيم هو أمر وارد الحدوث للبنيان الأمريكى العظيم - - - مع اختلاف المسببات ومجريات الأحداث والنتائج واختلاف الأعراض والدواعى - - - فليتربصوا إنـَّا معهم متربصون